حرائق الغابات تلتهم الأرواح والمنازل وسط موجة حر في قبرص
حرائق الغابات تلتهم الأرواح والمنازل وسط موجة حر في قبرص
امتد الدخان كثيفًا فوق التلال الخضراء المحترقة في جنوب قبرص، حيث تبددت رائحة الصنوبر لتحل محلها رائحة الرماد والموت، لم يكن مساء الأربعاء عاديًا في القرى الواقعة شمال مدينة ليماسول، فقد تحولت لحظات الهدوء إلى كابوس من اللهب، حين اجتاح حريق هائل غابات المنطقة، مخلّفًا وراءه دمارًا واسعًا ومآسي إنسانية لا تُحصى.
عثرت فرق الطوارئ على جثتين متفحمتين داخل سيارة محترقة، في مشهد يختصر فداحة ما جرى، لم يتمكن صاحبا السيارة من الفرار بعد أن حاصرتهما ألسنة اللهب عند أحد المنحدرات الوعرة، وسط رياح قوية جعلت التحرك أشبه بالمستحيل.
وبحسب الشرطة، أصيب ما لا يقل عن 10 أشخاص آخرين، بينهم اثنان في حالة حرجة يتلقون العلاج في مستشفى ليماسول المركزي.
قرى تُخلى ومنازل تتفحم
أُجلي المئات من سكان المناطق الجبلية، بعضهم حملوا أطفالهم على أكتافهم، بينما اكتفى آخرون بمغادرة منازلهم بأيدٍ فارغة، بعدما حاصرتهم ألسنة النار من كل جانب.
وبحسب مسؤولي الإطفاء، فقد التهمت النيران ما لا يقل عن 100 كيلومتر مربع من الغابات والمناطق الزراعية، فيما انهارت عشرات المنازل تحت وطأة الحريق الذي وصفه السكان بـ"الأسوأ منذ عقدين".
يقول أحد سكان قرية كابالوس: "كل شيء احترق، الأشجار، الحيوانات، حتى الصور القديمة التي كانت معلّقة على الجدران، لم نتمكن من أخذ شيء.. كنا نركض لإنقاذ أرواحنا فقط".
موجة حر قاتلة
بلغت درجات الحرارة يوم الأربعاء 43 درجة مئوية، وهو ما فاقم سرعة انتشار النيران، وأوضح المتحدث باسم إدارة الإطفاء، أندرياس كيتيس، أن الرياح كانت عاتية ومتقلبة، ما جعل مهمة السيطرة على الحريق شبه مستحيلة: "كنا نكافح النيران من جهة، لتشتعل من أخرى خلال دقائق، الأمر كان أشبه بالركض خلف شبح مشتعل".
وحتى صباح الخميس، استمرت درجات الحرارة بالارتفاع لتلامس 44 درجة مئوية، وهي أعلى حرارة تُسجل هذا العام، ما دفع هيئة الأرصاد الجوية لإصدار تحذير أحمر جديد يُنذر بتكرار الكارثة في مناطق أخرى من الجزيرة.
وفي ظل هذا المشهد الكارثي، طلبت الحكومة القبرصية الدعم العاجل من الاتحاد الأوروبي عبر آلية الحماية المدنية.
وأكد المتحدث باسم الحكومة، كونستانتينوس ليتيمبيوتيس، أن إسبانيا ستُرسل طائرتين خاصتين بمكافحة الحرائق خلال ساعات، في حين أعلنت الأردن استعدادها لإرسال فرق إغاثة ومساعدات إنسانية.
خلفية تنذر بالخطر
تعد قبرص من الدول المتوسطية التي تواجه تداعيات التغير المناخي بشدة، إذ تتكرر حرائق الغابات سنويًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة الطويلة والجفاف.
وتُشير تقارير بيئية إلى أن نحو 70% من الغطاء النباتي في جنوب الجزيرة معرّض للخطر خلال فصل الصيف، ما يضع السلطات أمام تحديات متزايدة تتجاوز قدرة الموارد المحلية.
هكذا وصف أحد رجال الإطفاء المشهد في ضواحي ليماسول: "هذه الأرض التي ناضل أجدادنا لزراعتها وحمايتها، تحترق أمام أعيننا.. نحن نبكي ونحن نحمل الخراطيم".
ورغم محاولات الإطفاء الجوية والبرية المستمرة، فإن المواطنين يدركون أن إعادة الحياة لما احترق لن تكون سهلة، فالخسائر لم تقتصر على الأرواح والمنازل فقط، بل طالت أيضًا الذكريات، وارتباط الناس بأرضهم، وهو ما يجعل هذا الحريق أكثر من مجرد كارثة طبيعية؛ إنه جرح في الوجدان القبرصي.